-->

قصة ابو زيد الهلالي - الجزء الثانى عشر - قصة البردويل بن راشد

قصة ابو زيد الهلالي 
الجزء الثانى عشر
قصة البردويل بن راشد



( قال الراوي ):
أنه كان في العريش ملك من الملوك العظام، صاحب بطش وإقدام، يقال له البردويل بن راشد وكان فارسا شديدا وبطلا عنيدا، له قصر مشيد الأركان عالي البنيان وحوله العساكر والفرسان، وكان مجوسيا يعبد النار دون الجبار ويسجد للشمس كل نهار ويلبس طاقية الإخفا ويقرأ الطلاسم ولم يعد أحد يراه، وبهذا الشأن يقهر الأبطال والفرسان، ففي بعض الأيام أخذ خبر بنت ملك سنبس مرصاد حاكم هاتيك البلاد وعنده ثلاثة آلاف فارس،ما بين مدرع ولابس، والبنت اسمها عليا وكانت ذات حسن وجمال وبهاء وكمال، فلما سمع البردويل بوصفها ما بقي يملك من العقل ولا درهم، فكتب الى أبيها الملك مرصاد، يطلب ابنته عليا الى الزواج، فأبى الملك مرصاد ذلك، فحاربه البردويل وقتله وقتل وزيره وأخذ بنته عليا زوجة له، هذا ما كان من أمر البردويل والملك مرصاد، ولنرجع بالكلام الى بني هلال، فانهم لا انتهوا من حرب السركسي في غزة، قصدوا وادي العريش فنصبوا فيها المضارب والخيام وسرحوا مواشيهم في تلك البراري والآكام التي يحكم عليها البردويل، فلما سمع بقدوم بني هلال ونزولهم في وادي العريش يأكلون الأثمار ويتلفون الأشجار، اغتاظ وتكدر وشخر ونخر وأقسم أن لايبقي أحدا من بني هلال الأعداء الأشرار.

فقال له الوزير اكتب الى الأمير حسن في طلب عشر المال والنوق والجمال، فان أعطى كان قتالهم حراما وان لم يعط يكون قتالهم حلالا، فطلب البردويل قلما وقرطاسا ودواية من الذهب الخاص وأخذ يكتب الى الأمير حسن في طلب عشر المال والخيل والجمال.

ثم طوى الكتاب وأعطاه لعبده سعيد، فأخذه وسار الى أن وصل الى بني هلال وسلم الكتاب للسلطان حسن، فقرأه وفهم معناه، فاسودت الدنيا في وجهه، فكان أبو زيد موجودا، فأخذ الجواب وقرأه وقال انا والله علي في قتل البردويل وستشهد لي جميع العربان بذلك، فأشار دياب أن يأخذوا العبد لدار الضيافة لئلا يفهم ما يتكلمون، فمضوا به الى دار الضيافة، حينئذ قال الأمير دياب لا تحسب الأكلات كلها زلابية يا أبا زيد.
وراح دياب يهدد ويتوعد، فقال أبو زيد أصحيح ما تقول يا دياب، فقال دياب كلا يا أبا زيد وانما أنا أمزح حتى أنظر ما يكون عندك من التدبير، فحينئذ قال أبو زيد للعبد سعيد، قل لسيدك ليس لك عندهم غير الحرب ورمي الرقاب، فسار سعيد وأخبر مولاه البردويل بذلك، فغضب غضبا شديدا وفي الحال أمر وزيره المنصور أن يركب في ماية ألف فارس وينزل الى الحرب وأن لا يترك من بني هلال صغيرا ولا كبير الا قتله، فسار المنصور بمائة ألف فارس حتى وصل الى الميدان فأسرع اليه الأمير دياب وجالا وصالا، وطعن منصور الأمير دياب بالرمح تخلى عنها وضربه دياب بالحربة، خرجت تلمع من ظهره، فحين ما نظرت عساكر البردويل ما حل بالوزير انطبقوا على الأمير دياب مثل سباع الغاب، فتلقتهم مثل الأسود الكواسر بالسيوف والرماح، ولله در الأمير دياب فانه برى الرؤوس وجز الرقاب فولت رجال البردويل وهي مكسورة مدحورة، وأخبرته بما جرى فلبس البردويل ثلاثة دروع ووضع في جيبه طاقية الإخفاء ونزل الى الميدان بأربعمائة ألف فارس وهجم على بني هلال وقد أوقع في قلوبهم الرعب، ولكن لله در أبطالهم، فانهم أظهروا الجلد وأخفوا الكمد ومع كل ما جاهدوا وعانوا، استظهرت عليهم العساكر وكسروهم في آخر النهار، فرجعوا على أعقابهم مشتتين ثم اجتمعوا وأخذوا يتشاورون في دفع الجزية للبردويل، فقال أبو زيـد والله يا حـسـن قد اعتراكم الوهن وأنا لاأطاوعكم أبدا ولاأدفع الجزية ما دمت قادرا على ركوب الجواد وأتقلد في آلة الحرب والجلاد، وراح يفتخر بقتل البردويل وهو يقول:
قال أبو زيد الهلالي يا حسن
اسمع كلامي أنت مع من حضر

لاتخافوا من طعان البردويل
انني أطفي لكم منه الخبر

وغدا باكرا أنا أنزل اليه
فوق مهر مثل طير أو صقر

سوف أسقيه المنية عاجلا
ثم أتركه حديثا يتذكر

وكفى التسليم في كل الأمور
وهنيئا للذي باغ الوطر


فلما فرغ أبو زيـد من كلامه، توجهوا للصيوان وبقي عند السـلطان حسن دياب و القاضي بدير وطي بن مالك وأبو عوف وعامر وحماد وعرندس فتشاوروا مع بعضهم وقالوا غدا يذهب أبو زيـد للبردويل فيقتله ونبقى بعده في حزن طويل، ثم نهض الأمير حسن ودخل الى خزانة السلاح فأخرج قيد المملكة وهو أربعة أرطال فضة ووضعه في منديل وأعطاه لدياب وقال اذهب الى أبي زيد أنت وخالك القاضي بدير و الأمير وطي بن مالك و أبو عوف وعـامر و حماد وعمك عرندس، وقل له ان كنت تطيع الله والأمير ضع رجليك هذا القيد الى الغد ونحن نجيء غدا ونفتح لك، فان حسن خايف عليك أن تذهب الى البردويل ويقتلك فأخذوا القيد وساروا الى أبـي زيـد رحب بهم وأجلسهم ثم قال لهم ما سبب مجيئكم؟ فقام دياب ووضع المنديل قدام أبي زيد وقال له قد أرسله لك ابن عمك حسن ففتحه أبو زيد فوجد فيه القيد، فقال ما هذا؟ قالوا لأجل أن تضعه في رجليك الى الغد وأخبروه بما قال حسن، قال صبر جميل ثم قال بنفسه ان خالفت حسن فمن يطيعه ومن يقدر أن يسفه كلام الأجاويد ثم أنه أخذ القيد ووضعه في رجليه وقال سمعا وطاعة لله والأمير ولكن لي عليكم واحدة أن تجيؤا وتحلو لي القيد غدا من صلاة الصبح، فقالوا سمعا وطاعة، وذهبوا وأعلموا حسن فخاف حسن أن يعوقوا على أبي زيد فبعث وراء أم مخيمر وقال لها يا أم مخيمر خذي مفتاح هذا القيد حطيه معك ولما تشوفي الفجر لاح افتحي القيد من أقدام أبي زيد واياك أن تخبريه عن المفتاح، فقالت سمعا وطاعة ثم ذهبت الى أبي زيد وقعدت قباله، أما البردويل الهمام فانه في الصباح دق طبول الحرب والكفاح وبرز الى الميدان، فانحدر إليه الأمير حسن وانطبق عليه وتقاتلا من الصباح الى وقت الظلام، فافترقا على سلام ورجع كل منهم الى الخيام، ولما أصبح الصباح وأضاء بنوره ولاح، برز البردويل الى ساحة الميدان، فبرز إليه قاضي العربان، فلما نظره البردويل، قال أنت قاضي العربان تريد أن تحارب الفرسان، فقال له اليوم أريك أفعالي وحربي ونزالي، وهجم عليه وتقاربا وتصادما ولم يمض عليهما ساعتان حتى برم البردويل الدبوس في يده وضرب القاضي بين كتفيه ظن أن روحه خرجت من بين جنبيه، فدار رأس جواده وولى هاربا والى النجاة طالبا، فانحدر اليه الأمير زيدان وانطبق عليه انطباق الغمام، فما طال عليه المطال حتى كال في الحال فولى هاربا فبرز اليه مخيمر وبعده عكرمة ثم مفلح وأيضا عقل حتى برز إليه خمسة وعشرون أميرا من الفرسان ولم يمكث الواحد منهم أكثر من ساعة الا ويولي هاربا والى النجاة طالبا وما زالوا هكذا حتى أمسى المساء ودقت طبول الانفصال، أخذ كل منهم يشكو ما أصابه وفي ثاني أيام برز الأمير دياب وطلب مبارزة الفرسان، فبرز اليه البردويل، فالتقى البطلان كأنهما جبلان، وكان عليهما الحين وغنى فوق رأسيهما غراب البين وأخذا في كر وفر واقتراب وابتعاد، فلما شاهد الأمير دياب أن خصمه شديد وقرم عنيد، أشار الى بني زغبة فطبقوا على قوم البردويل فتلقوهم اولئك في ضرب مثل النار حتى ما عدت تنظر في ذلك النهار الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسانا غائرة والرؤوس تتساقط مثل ورق الشجر، فيا لها من وقعة مهولة تشيب رؤوس الأطفال وتحير عقول الأبطال، وكان ذلك اليوم على بني هلال أشد الأيام، فقد كسرتهم عساكر البردويل وأرجعوهم الى الخيام ينوحون على مصائب الأيام، ورجع البردويل الى قصره فرحان، هذا كله والأمير أبو زيد مقيد، فلما عرف أبو زيد ما جرى على بني هلال، اغتاظ وتكدر وصارت عيناه تقدحان الشرر وصار يتقلب على الفراش مثل الثعبان، فقالت له أم مخيمر لماذا أنت حامل كل هذا الهم وأنت عندك مال أكثر من غيرك وأن الأمراء لا يدفعون غفارة، فلأي شئ ترمي روحك في المهالك ولكن من غيظي من حسن ودياب لازم أروح للبردويل أقتله واني بعون الله أسرع بقتله بكل ما يمكن، فقالت البردويل قد طلب مالا وخيلا وجمالا وعبيدا وجوارا وسلاحا وبنتا، وأول ما طلب بنتك جمال الظعن، فقال كيف نعطيه إياها؟ قالت لا قدر الله، ولكن كيف تقدر عليه وعلى طلامسه وسحره؟ فقال لها ان شاء الله تعالى أقتله وأنت تعرفين بعلك يا أم مخيمر و الأمير حسن كل يوم عند الصباح يعطيك المفتاح ومرادي الآن في هذا الليل أن تسيري إليه وتسرقي المفتاح من جيبه وتجيئي تفتحي القيد وأتوجه الى البردويل وأقتله وأفوز على بني هلال.

فقال ماذا تعطي الذي يعطيك المفتاح؟؟ فقال لها أما تريدين أن أنام عند أربعين ليلة؟! فإذا كنت تريدين أن تفرجي كربتي افتحي القيد وأطلقي الباز للصيد، فقالت أن الأمير حسن أقسم على أن لا أفتح لك في هذا الليل، فاني أخاف عليك من البردويل أن يقتلك، فقال لها أن قتلني تزوجي غيري وان قتلوك بعدي فما أنت أحسن مني، فقالت لـه يا ذلنا من بعدك يا بـو شيبان، وأخرجت المفتاح وفتحت له قيد، فوثب في الحل وشد على ابن الحيصا ولبس الدرع المصفح واعتلى على ظهر الجواد كأنه كتلة من الكتل أو قطعة فصلت من جبل وحفظ نفسه وحصانه بهياكل الطلاسم والأقسام وتحوط بآيات الله العظام وجد السير الى أن وصل قصر البردويل ودار حوله فوجده عالي البنيان رفيع الأركان، وكان وصوله عند طلوع الشمس، فكان البردويل نائما على ركبة عليا، فعند وصول أبي زيد الى الباب، وجده مصفحا في ألواح من البولاد، كأنه من بنيان ثمود وعاد فرفع يده وضرب الباب في دبوس الحديد، فما أحد رد عليه، فدق الباب ثانيا وثالثا فأتاه سعيد عبد البردويل وطل من الشباك فرأى أبا زيد راكبا على ظهر الجواد، فقال ما تريد أيها الفارس العنيد؟ فقال له أبو زيد أريد مولاك البردويل أيها العبد الذليل، فاذهب إليه وقل له على الباب فارس طالبك للحرب والكفاح، فاندهش العبد من هذه الجسارة ورجع وأخبر سيدته علـيـا بأن فارسا بالباب أسمر اللون قال لي قل لمولاك البردويـل أن يبرز الى الحرب والكفاح، فقالت له ما قال اسمه؟ أجابها لا، ولكن هيئته تدل على أنه أعرابي، وبينما العبد يخبرها بذلك، سمعت صوتا يقول قم يا بردويل من نومك الآن واني سأدعك تنام الى الأبد، فلما سمعت عـلـيـا هذا الصوت رفعت رأس البردويل عن ركبتها ووضعته على مخدة وأشرفت من فوق الباب فرأت الأمير أبو زيد فإذا هو مثل الصقر وقلبه أشد من الصخر فلما رآها أبو زيد وهي كأنها البدر لمنير حول نظره عنها لئلا يفتنه حسنها وجمالها، فقالت له ما مرادك ومن أنت؟ فقال لها أنا أبو زيد من بني هـلال ومرادي أحارب البردويل فدعيه ينزل الى حربي، فلما سمعت هذا الكلام أخذت تخبره عن حالها.
فلما رد عليها أبو زيد، استبشرت عليا بالخير والفرج ولكنها قالت له أنا خايفة عليك من البردويل أن يذيقك الحرب الوبيل لأنه فارس ما له مثيل، قال أبـو زيـد، نبهيه أن يأتيني من دون إطالة كلام واليوم تنظرين فعالي والسلام، فعند ذلك توجهت عليا الى البردويل، فرأته غارقا في المنام فنبهته، فلما أفاق قصت عليه ما سمعت من الكلام وأخبرته عن قدوم البطل أبي زيد الصنديد وأنه عن قتله لا يحيد، فلما سمع كلامها من الأول الى الآخر، فقام وقعد وأرغى وأزبد وقال لها بغضب: كيف أقلقتني وفي هذا الكلام أزعجتني؟؟

وقال لها لو كان غيرك ضربته بالحسام فكيف تخيفينني من فارس أو من مئة فارس أو من ألف فارس؟ فقالت له ما كل الرجال رجال ولا الثعالب مثل أسد الدحال، فما زالت النساء تحبل وتلد فما على وجه الأرض شاطر، فلما سمع من عليا هذا الكلام، صار الضيا في عينيه ظلاما، وصرخ صوتا دوت له الجبال واهتزت من حوله التلال وقال لها: كفاك هذيان يا بنت اللئام، وإلا قطعت رأسك بهذا الحسام فلما سمعه أبو زيد من خارج الدار صاح عليه بصوت مرعب قائلا له اسكت يا حمار وانزل الى قتالي وإلا أهدم عليك القصر قبل أن يأتي وقت العصر، فلما سمع البردويل هذا الكلام، صار الضياء في وجهه ظلام فقام لساعته ولبس آلة حربه وعدته وفرد على بدنه درعا داووديا مصفحا وتقلد سيفا كأنه البرق اللامع أو الموت الماحق، ووضع على جنبه طاقية الاخفاء ونادى على عبده مسعود وقال شد لي جوادي، فشد عليه وأحضره اليه فوثب راكبا عليه وقال للعبد افتح لي الباب ففتح العبد الباب وكان مصفحا بالحديد وحصل أبو زيد على فرح ما عليه من مزيد وأخذ يقرأ آيات الله العظام ويقول عونك يا رب الأنام، وحينئذ خرج البردويل مثل سبع كاسر أو أسد ظافر وأخذ يلاعب حصانه وكأنه فرخ جان أو من عفريت سليمان، وناداه قائلا: تعال يا أعرابي حتى انظر ما مرادك ومن الذي إلينا قادك، فأخذت أبا زيد الحمية الجاهلية والنخوة العربية وهجم عليه هجمة الأسود، فالتقى البطلان وكأنهما جبلان أو أسدان ضرغامان وعلت منهما الصيحات حتى ملأت الفلوات، فعندما رأى البردويل أنه تعبان من صدمات أبي زيد طلب سعفه من ملوك الجان وكان أبو زيد أثناء كلامه، رافعا عينيه الى السماء غير مكترث بل كان يقرأ الفاتحة ويذكر كلام الله، ثم التفت الى البردويل فوجده لابسا الطاقية فقال له أراك مضيعا عقلك.

فاستشاط البردويل غضبا وغيظا، فما عدت تسمع الا صياحا وهديرا ودمدمة في الـسـن مخـتلـفة، وكنت تسمع الصوت ولا ترى الـزول، والبردويل لما وجد حاله مغلوبا ولم يقدر أن يختفي من قدام أبي زيد حيث أن الملائكة العلوية طردت ملوك الجان السفلية الى سابع أرض وأبطلت عزيمتهم، ندم على ما فرط منه في حرب أبي زيد وكانت علـيا زوجة البردويل تتفرج من الشباك، فلما نظرت زوجها انقطع أمله وأبو زيد غلبه، فرحت وصارت تزغرد وتغني، فظن البردويل أن هذا الغناء لأجله ولم يعلم أنه لأجل عجزه وفشله، فأخذنه الحماسة والنخوة وهجم على أبي زيد مثل النمر اذا خطر فتلقاه أبو زيد كما تتلقى الأرض العطشانة وابل المطر وعلا منهما الصياح حتى ملأ الروابي والبطاح، وصار الأمير أبو زيد يدور حول البردويل وهو مشرع سيفه الثقيل ورمحه الطويل، فحينئذ تيقن البردويل في ذهاب روحه وزوال سعادته، فرفع أبو زيد يده وقال اللهم استر عبدك يا من رفعت السماء وبسطت الأرض، وضرب البردويل بالسيف على هامه، ألقى رأسه قدامه ووقع البردويل على الأرض يختلط طوله بالعرض، وحالا نزل أبو زيد عن ظهر الجواد وسحب لسانه وأزال أسنانه وأخذ الطاقية والدرع والسيف والخوذة والرمح، والتفت الى عليا وقال لها الوداع، فقالت له خذ هذه بدلة البردويـل فأنت أحق بها من غيرك، لأنك قتلت هذا الشيطان، فأخذها أبو زيد وعلق الجميع في قربوس ابن الحيصا وأتى نحو باب القصر وختمه بختمه وركب على ظهر الجواد وقال خاطرك يا ست عليا يا بنت الكرام، فأرجوك عندما تطلبين للشهادة تظهرين واقعة الحال وتتكلمي كما نظرت، فقالت أرجوك أن تدخل القصر لترتاح ثم تتناول الطعام أيها البردويل في الصندوق وقيد نفسه بالقيد الذهبي وتظاهر بأن لا له ولا عليه، هذا ما كان منه، وأما ما كان من الأمير حسن وهو في الديوان وحوله الأمراء والأعيان فقال البارحة قد التهينا بالضيوف وتركنا أبا زيد وما عرفنا كيف حاله والبردويل ما عاد طلبنا للحرب فقوموا واذهبوا ودعوه يأتي حتى ننظر ما هو رأيه، فراح الأمير فايد وأخذ معه مفتاحا ودخل على أبي زيد وقال له قد أمر السلطان برفع القيد من رجليك وأن تذهب إليه، فـقـال أبو زيد: صار لي ثلاثة أيام ما رأيت أحدا منكم، نسيتم أبا زيد فقال الأمير فايد: والله يابو زيد ما نسيناك ولكن كان المانع من زيارتك وجود ضيوف عند الأمير البطل الدرغام فانك تعبت من الحرب والكفاح، فقال الأمير أبو زيد أنا لا أدخل الدار خوفا من العار، لأن كلام الناس أمر من ضرب السلاح، وأما أنت فأعطيني المفتاح لكي أقفل عليك القصر، حينئذ حققت عليا شهامته وعرفت نخوته فأعطته المفتاح، فأخذه وقفل باب القصر وعاد الى بني هلال فوصل في نصف الليل ثم دخل الى صيوان أم مخيمر فرآها تبكي، فقال لها لماذا تبكين؟ الحمد لله على اجتماع شملنا، وقام ووضع ما أتى به من أمتعة حسن ثم فك القيد من رجليه فقام أبو زيد وركب من دون سلاح وما حمل معه سوى عصاه وتوجه نحو الأمير حسن، فحين وصل الى الخيام قاموا له وحيوه بأحسن تحية، ثم قال أبو زيد لابأس ولكن ماذا عملتم من المصالح في حرب البردويل؟ فقال نحن أرسلنا وراءك لنأخذ رأيك، فقال أبو زيد والله ان البردويل فارس من الفرسان ولا أحد يقدر يحاربه فما أرى الا أن ترسل له عشر المال والنوق والجمال والنساء والعيال ونذهب إليه والمحارم في رقابنا، فقال حسن: في هذا الوقت قد قلت الصواب وبارك الله فيك.

( قال الراوي ):
في صباح اليوم الثاني بعد قتل البردويل، أخذت الرعيان في تسريح المواشي حسب العادة، فسار منهم ثلاثة رعيان وسرحوا بقرب قصر البردويل، وكان لهم عادة ينامون في ظل القصر، فقبل أن يبلغوا المكان المقصود رأوا شخص البردويل على الثرى ممدودا، وكان منهم عبد اسمه مسعود، قال لهم مرادي أذهب إليه وأقول له أنا أتيت بهذا الطرش من عند العرب، وأريد أن أعيش في ظلك، فقالوا رأيك مناسب، فتوجه مسعود الى أن وصل الى قرب القصر، فرأى البردويل مقتولا وعلى الثرى مغلولا، فأخذه الرعب وصار يلتفت يمينا وشمالا، فلم يجد أحدا، فقوى قلبه، وكانت عليا تنظر من الشباك، فصاح مسعود يا أصحاب القصر علام سيدكم قتيل وأنتم نيام؟؟ فطلت عليا من الشباك فسألها عن زوجها البردويل فأشارت تقول:
تقول فتاة الحي عليا بما جرى
والنار جوا الحشا زادت اضرام

اسمع كلامي أيا مسعود وافتهم
ما أتى راع و لا قد جاء غلام

هذا بعلي البردويل بلا خفا
من أين أتاه السهم هل من الغمام

بان لي بأنك أنت غريمه
باين عليك أنت من فوارس عظام

افتخر بقتله بين الملوك
يبقى لك هيبة كما سبع آجام


فلما فرغت الست عليا من نظامها ومسعود يسمع نظامها، ظن أنه يخدعها وقال أنا الذي قتلته ومرادي آخذ رأسه الى أميرنا حسن الهلالي، وافتخر في قتله على جميع العربان، فقالت افعل ما تريد، فأخذ مسعود الرأس فربطه في مرسة وعلقه في كتفه وهو مسرور، وراح يترنم بقوله ما كل العبيد عبيد ولا كل الموالي موالي، فلما رآه العبيد قالوا ماذا عملت يا ابن الخالة؟ فأجاب لقد قتلت البردويل وسأصير سيدكم ومولاكم، وها أنا آخذ رأسه الى الأمير حسن وأنتم اشهدوا لي بذلك، فمشوا معه الى النجع وشاعت الأخبار بأن مسعود العبد قتل البردويل، فعندها اجتمعت الناس ولاقوه بالأغاني والأفراح وأخذوا يثنون عليه والعبيد حوله يغنون له الأغاني وينشدون النشائد، وهو حامل رأس البردويل على كتفه، حتى وصل الى صيوان الأمير حسن ورمى الرأس قدام الصيوان، فخرج الأمير حسن والأمارة يتفرجون، وقد تعجب الجميع من مسعود البطل المعدود، فقال حسن والله ان الذي أتى برأس البردويل هو بطل ما له مثيل وله مني الإنعام الجزيل، فوثب مسعود وقال لعينيك يا سيدي عبدك مسعود أتى بالرأس وأخمد من ذلك الشقي الأنفاس، فقال الأمير حسن من كان يقول أن منية البردويل على يد عبدنا مسعود، وقد كان هذا يخطف الأرواح ويتركها كالأشباح، وذقنا من حربه البلا والكرب وأنواع الذل والتعب، ثم سأله قائلا وكيف عملت في قتل البردويل؟؟

فقال: كنا في البر والجمال سارحة، فأخذتها هجعة من النوم فنمنا ثم استيقظنا فلم نجد الحلال حولنا، ففتشنا عليه فوجدناه قد بلغ قصر البردويل، فتوجهت بنفسي لأرده فرآني البردويل ونهرني، فلم أرد عليه وتقدمت الى الجمال لأردها فأتاني وهو كالسبع الكاسر ورفع يده بالدبوس ورمان به، فراحت الضربة خائبة غير صائبة، فوضعت حجرا في مقلاعي وفعلت فعل داوود في جالوت وأذقت البردويل الحسرات لأنه بالقضاء والقدر أتت الضربة بين عينيه، فخرج الدم يتدفق منه، وحالا تقدمت إليه وطرحته على الأرض وسحبت السكين وقطعت رأسه وأخمدت أنفاسه، وجميع العبيد يشهدون لي بذلك، فقال العبيد نعم انه قطع رأس ابن راشد أمامنا، فقال مسعود أريد منك يا سيدي أن تجعلني سيدا على كافة العبيد وأن تزوجني ابنة بيضاء وأربع جواري سود وأن تعطيني جوادا من خواص الخيل وعدة حرب كاملة وألف دينار ومواشي وعبيد، وغلمان، فقال القاضي تستاهل يا مسعود أزود من ذلك، فقال أبـو زيـد كفاك يا عبد السوء هذيان أما تستحي أنك تقول قتلت الـبردويل أيها الهبيل؟ قال العبد نعم وحياة رأسك ورأس الأمير حسن، فقال له يا عبد السوء هل أنت أفرس مني ومن دياب؟ فقال مسعود ان لكل إنسان منية، ومنية البردويل على يدي، فقال أبو زيد في أي شي قتلته؟ فقال حسن: كيف ما كان قتله أما أراحنا منه؟ ربما كان يلعب في الميدان وقنطر فيه الحصان ومسعود جز رأسه! فقام أبو زيد وفتح فم البردويل وقال أظنه كان أخرس، لأن ليس له لسان، فقام الجميع ونظروا ذلك وتعجبوا، فقال حسن يا مسعود لما طلع البردويل ما كلمك، فقال نعم كلمني وكان صوته مثل الرعد القاصف، فقال أبو زيد أين طاقيته وسيفه ورمحه وبدلته وحصانه؟
وقد أخذت من أبي زيد الحدة وأنشد شعرا:
يقول أبو زيد الهلالي ســـلامة
وعزمي أمضى من سيوف ورماح

يا أمارا اسمعوا شرح قصتي
وأصغوا لقولي واتركوا الهزل والمزاح

وهذا العبد مسعود يضحك عليكم
فأين عقولكم والفكر قد راح

أين لسان البردويل يا جماعــة
طوله شبرين يشبه الألواح

أين درع البردويل أين عدته
أين رمحه ثم سيفه والسلاح

أين طاقية الاخفا وأين الحصان
يطوي بسرعته برها وبطاح

ابن راشد كان خيالا عظيم
ما أحد يلقاه في وقت الكفاح

تحته أدهم مضمر يا حسن
عندما يركض يسبق الريح

كيف عبدك جاب رأس البردويل
وما معه يا أمير سيف ولا رماح

انما سيفي الذي قد قده
ورمحي بين بزيه خش وراح

آلة الحرب شهود والجواد
وكذا الطاقية والدرع الصفاح

اسألوا عليا زوجة البردويل
فهي تنبيكم بأخبار الكفاح


ثم ركب جواده وسار الى عند أم مخيمر وأتى بعدة البردويل والحصان والطاقية والسيف والرمح وكل ما كان عنده من أمتعة البردويل الى صيوان حسن، ووضع الجميع أمام الأمراء، ثم رمى بلسان البردويل أمام دياب وقال له تفرج هذا اللسان، فبهتوا وتعجبوا من هذا الأمر، وأما مسعود العبد فحين نظر ما جرى صار ينسحب بحاله الى أن هرب من الصيوان لعند الرعيان وأما الأمراء فركبوا خيولهم وكانوا ألفي أمير من الفرسان المعدودة والرجال المشهورة وقالوا الى أبي زيد اركب معنا، فقال أنا لاأريد حتى ينكشف لكم الخبر، فبادروا وفي أوائلهم الأمير حسن الى قصر البردويل فوجدوه قصرا عالي البنيان مشيد الأركان، فتقدم حسن نحو باب القصر فوجدوه مختوما بختم أبي زيد، فقال حسن يا ترى هل يوجد أحد في هذا القصر؟ فما أتم كلامه الا وعليا أشرفت من الشباك فشاهدت حسن وأمراء بني هلال، وكان للقصر باب صغير غير الذي قفله أبو زيد، فاتت عليا منه وأقبلت أمام الأمير حسن وقبلت يديه، فسألها عن قتل ابن راشد فحكت له ما جرى لأبي زيد معه وما فعل العبد مسعود بعد ذلك، فقال الأمير حسن والله ما فعل هذه الأفعال الا أبا زيد، ثم قال وأين المفتاح؟ فقال له مع أبي زيد، وبينما هم في الحديث اذ أقبل أبو زيد راكبا على ابن الحيصا فعندما أقبل استقبلوه وحيوه وقالوا له لله درك من بطل لا تخشى نوائب الأيام، وحينئذ تقدم أبو زيد وأخرج مفتاح الباب المصفح بالحديد وفتح لهم وأدخلهم الى القصر، فتفرجوا على ما فيه من التحف والجواهر والأشياء الثمينة التي لا تقدر بقيمة، فحملوها لبيت مال المسلمين ورجعوا للديوان، أما قوم البردويل عندما علموا بموت مليكهم، ساروا الى ابن أخته سعيد وكان نازلا في أطراف العريش، فأخبروه بقتل خاله البردويل، فقال لهم سعيد ما الرأي عندكم في بني هلال؟ فقالوا أن بني هلال نجم سعدهم في صعود وأميرهم حسن الهلالي قد ارتقى الى ما لا يرتقي غيره من درج المعالي، وأننا نشير عليك أن نركب جميعا ونسير اليه ونقع بين يديه ونطلب منه أن يجلسك مكان خالك، فاستصوب سعيد كلامهم وسار معهم لعند الأمير حسن، فلما وصلوا طلبوا الإذن بالدخول على حسن، فدخلوا عليه وقبلوا الأرض بين يديه وأخبروه عن حالهم فترحب بهم حسن غاية الترحيب، وأهدى الأمير سعيد خلعة سنية وحلة ملوكية ولبسه اياها وأجلسه مكان خاله، وعين عليه الجزية وكتبوا كتاب سعيد على الست عليا امرأة خاله البردويل، وتمتع بالحسن والجمال وبعد ذلك أمر بدق الطبول وأن يرحلوا من تلك التلال، فنشرت الرايات وركبت العماريات على الهوادج واعتلى الفرسان ظهور الخيول، وأخذوا يجدون السير حتى وصلوا الى مصر القاهرة.




انتظرونا فى الجزء الثالث عشر
مع قصة الملك الفرمند


Ayman silem
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع السيرة الهلالية والتراث العربى الاصيل .

جديد قسم : الموروث الشعبي والتراث الغنائي

إرسال تعليق