-->

قصة ابو زيد الهلالي - الجزء الثالث والعشرون - قصة مـقـتـل الـسـلـطـان حـسـن

قصة ابو زيد الهلالي 
الجزء الثالث والعشرون
قصة 

وما زالت نوفلة تردد الأشعار وتسكب العبرات، حتى فتتت الأكباد وأحنت الأجساد، فبكى معها كل من حضر لأن الأمير دياب فارس مشتهر وبطل غضنفر، وأخذوا يطيبون خاطرها بسلامة دياب ويطمنونها، فما خفت مصيبتها، ثم مدت الى أخيها فرشة من ريش النعام وأخذت ترش عليه من ماء الخزام، وهو ينتفض ويرتعش، وبقي على هذه الحال ثلاثة أيام، لايذوق طعاما ولايقابل مناما، فحن عليه السلطان وفك قيده وأطلق سبيله، فصار يستغنم الفرص حتى لاحت له، فدخل على حسن وهو غارق في منامه، فسحب السكين وانطرح على حسن وذبحه وتركه يتخبط بدمه، وسار يجد السير تحت الظلام الى أن وصل الى قومه وعشيرته، ففرحوا به وانسروا لرؤيته وأخذوا يسألونه عن كيفية اطلاقه من سجن حسن، فأخذ يقص عليهم القصة ويخبرهم كيف سار من البداية الى النهاية.

هذا ما كان من الأمير دياب وهو يقص ما جرى على أولاد عمه، فلما سمعوا أنه قتل الأمير حسن، انقلبت أفراحهم الى أكدار وأظلم ف وجوههم النهار، وما منهم من أحد الا أظهر الحزن والأسف، وقالوا والله يا دياب لقد فعلت فعلا منكرا وسددت في وجوهنا الأبواب بقتلك حسن، فكيف تجاسرت على هذا العمل وهو صهرك وأمير بني هلال؟؟!

والآن قد أصبحنا عبرة عند العرب الكرام، فسوف يصير بنا كما صار مع جساس بن مرة والأمير كليب، ومن الآن أصبحت عداوة كبيرة بين عشائر بني هلال وسوف يصلون الينا، فقال دياب: لقد صار ما صار والأوفق لنا أن نرحل قبل أن تدركنا جموع بني هلال، ويقع الحرب بيننا وبينهم،فهدموا الأطناب وأودعوها ظهور الجمال وأركبوا النساء والأطفال في الهوادج وساروا يجدون في قطع الروابي والبطاح.

هذا ما كان من أمر الأمير دياب وأولاد عمه، وأما ما كان من عطور الجيد، لما انتبهت من رقادها وشاهدت الأمير حسن قتيلا فصاحت بالبكاء ومزقت ثيابها ناحت وولولت، فتراكضت جموع بني هلال على بكاها، فوجدوا الأمير حسن قتيلا، فعلت منهم الأصوات وسكبوا العبرات، فسمع أبو زيد الصراخ فوثب في الحال وأتى ينظر جموع بني هلال مزدحمة على صيوان الأمير حسن وهو قتيل، فبكى ومزق ثيابه ورمى شاشه وتقدم اليه ورمى نفسه عليه، فقبل يديه ووجنتيه، ثم وقع مغشيا عليه، فتراكض الناس وأخذوا يرشونه بالماء حتى صحي، فالتفت الى النافلة وقال لها أين كنت لما قتل أخوك سلطان العرب والعجم؟! فزادت النحيب والعويل وأقبلت أخته الجازية وهي تصيح وتبكي وتمزق ثيابها وتندب أخاها، ثم وقعت عليه تقبل قدميه وهي تولول وتصيح، فكان يوم حزن، يا له من يوم أظلمت الشمس في! ! وكثر البكاء والنواح والجازية تزيد بكاها وتندب أخاها.

( قال الراوي ):
فلما فرغت الجازية من رثائها وجموع ني هلال ناظرين مما قد دهاها، هطلت دموع بني هلال كالأمطار، وتقدمت مريم ابنة زهرة البان وزوجة أبي العوف، ووقفت فوق رأس الأمير حسن وأشارت تقول:
دمعي جرى فوق خدي وانسكب
والنار في قلبي تزيد من اللهب

يا بين شمت العدا فينا وما
كان العهد سبف الغدر ينسب

شمس المعارف أظلمت أنوارها
والليل أصبح بالمخاوف والكرب

بدر العلى يا حيف من فوق الثرى
يبقى طريقا والغربا فينا نعب

يا كوكب الاقبال يا أمير حسن
يا عزنا يا فخرنا يا منتسب

يا حيف هذا الوجه يعلاه الكدر
يا حيف هذا القد تفنيه الترب

الله يجازي دياب في حال العمى
الله يجازي دياب في هم وتعب

أرمى قلوب هلال في نار اللظى
ادعى الدموع تسيل من حرب النوب

يا مشبع الجوعان يا معزي الحزين
يا منقذ المكروب يا مولى العرب

أراه ناري بالحشا ما تنطفي
يا نكبتي يا حسرتي ركني ذهب


فلما فرغت مريم من قصيدها والكل يسمعون تعديدها، هطلت من عيونهم الدموع وزادوا في البكاء والنحيب، وكانوا يرثونه بالقصائد المحزنة ويقصفون لفراقه الرماح ويكسرون السيوف، ثم أجتمع مشايخ زحلان ودريد وتقدموا الى الأمير أبو زيد وقالوا له الأحسن رفع جثة الأمير حسن ودفنها، لأن كرامة الميت مأواه، وبذلك أمر رب الأرباب، فأجابهم أبو زيد الى ما طلبوه، ثم تقدموا بكل احترام ورفعوا الجثة وغسلوها وبروايح المسك والطيب رشوها، وتحت التراب وضعوها وذبحوا على قبره من الجزور والأغنام ما يكل عن وصفه اللسان، ثم أقاموا على القبر قبة عظيمة وزينزها بماء الذهب، وكتبوا عليها اسم الله الأعظم وتحته اسم الأمير حسن، ثم رجعوا وعملوا مناحة، وكانت تأتيهم العربان من كل مكان يعزونهم على فقد الأمير حسن، وبعد ما انقضت أيام المناحة وسكن روعهم، اجتمعوا في صيوان الأمير أبي زيد وقالوا له ماذا تأمن بأخذ ثار الأمير حسن؟؟ فاننا والله ا نرتاح ولانكف عن البكاء والنواح الا أن نأخذ بالثأر ونكشف المذلة والعار ونقتل دياب ومن معه، حتى لا يبقى منهم من ينفخ نارا ووفيتم الحريم والأولاد ونجعلهم عبرة كنسل الأوغاد، فأجابهم أبو زيد الى ما طلبوه، وقال لهم:وحق الركن والحجر والبيت المطهر أنكم لو تعلمون ما بقلبي لرثيتم لكربي، فاني أول من يتقدم لأخذ الثار وكشف العار، واني والله سوف أنزل في آل غانم الفنا ولا أبقي لهم بقاء، وسوف أطلب دياب على رؤوس الحبال وأبقيه بأوشم حال، وقد صار الأولى بنا أن نستعد للرحيل في أثر آل غانم ونوقع بهم المآثم، في هذه الليلة دوروا بين البيوت وأخبروا البنات والنسوان أن يكن على استعداد للرحيل، وتتبع أثرهم ولو طاروا، فعند ذلك طافت الرجال بين الأطناب وأخبروا القوم بهذا الأمر، وما مضت الثلاثة أيام الا وكنت ترى النساء والأطفال على ظهور الجمال والرجال على الخيول معتقلين بالرماح والسيوف، وفي مقدمة الجيش أبو زيد حامي جيوش بني هلال وهو أمامهم كالأسد الرئبال وتحته أشهب وعليه سرج مرصع بالذهب وهو فوقه يموج ببحر السرج كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل، بيده رمح ماضي السنان، وعلى جنبه سيف يمان، وقد أفرغ على صدره درعا من البولاد محبوكا بالزرد.

هذا وقد انتشرت البيارق والرايات ودقت الطبول، فسمع لها رجات وأخذ الخيل تتسابق، فعند ذلك أخذ أبو زيد يقول:
يقول أبو زيد الهلالي سلامة
والنار في قلبي تزيد شعال

والخيل تعرف أني ما ركبتها
الا جعلت القوم بأوشم حال

لي سيف ماضي الحد قطاع الرقاب
لو صاب صخر الصم فيه قلت مال

بالله اسمعوا بالله افهموا يا قومنا
وكونوا سباعا للقا يا هلال

اليوم آخذ الثار من زغبي دياب
ذاك الذي أرمى حسن بنكال

شدوا العزايم يا هلال تجردوا
للحرب ما تكونوا به أنذال

وتذكروا السلطان حسن كيف انقضى
وكيف قد غدا والدم منه سال

عاداتكم بالحرب ترمون العدا
فوق الثرى وتقطعوا الأوصال

ومن من مجال الطعن يلوي وينهزم
فذاك عندي من بني الأرذال

وأهدي سلامي للسلطان حسن
وأكرر الأشواق للمفضل

وحياة عينك يا حسن لازم أكيد
نأخذ لثأرك بالقنا ونصال

لازم أقطع رأس هذا الوغد اللئيم
دياب ابن غانم اللي بنا احتال

وادعي الزغابة بالذل طول المدى
وادعي النسا بالضيق والأهوال


فلما فراغ أبو زيد من كلامه، صاحوا عن فرد لسان: والله يا أبا زيد أننا نفديك بأرواحنا لأنك مضمد جراحنا، وما قمنا الا لأخذ الثأر وكشف العار، فعند ذلك ساروا وما زالوا سائرين ليلا ونهارا حتى دخلوا تونس الغرب، فلاقتهم أهل تونس وقدموا لهم الخضوع والطاعة، وما كان في تونس الا القليل من آل زغبي، فأتوا واضعين على أعناقهم المحارم وأظهروا للأمير أبو زيد الحزن والأسف على فقد حسن، وما منهم الا وكان يلعن دياب، فسألهم أبو زيد عنه، فأخبروه أنه رحل الى بلاد الحبش هو وبعض قومه، فلما سمع أبو زيد هذا الكلام، أمر الجيش أن يتابع السير خلف دياب، فجدوا في السير في أثر دياب، ومازالوا يسألون عنه الى أن ضاق بهم الحال ولم يعلموا أين رحل، فكادوا يهلكون من الجوع والعطش في ذلك البر المقفر، فرجعوا على الأعقاب، ولما وصلوا الى الأطلال نصبوا أبا زيد سلطانا عليهم وعلى جميع بلاد الغرب، أما دياب فما زال يقطع الروابي والقفار الى أن وصل الى بلاد الحبش، فسمع به ملك تلك البلاد، فخرج لملاقاته بكل استعداد، وكان راكبا على جواد أشهب، عليه سرج مرصه بالجوهر ومعه الأحشام والأعوان والعبيد والغلمان والنساء بالدفوف والمزاهر وفي أيديهم القماقم المملوءة بالمسك وماء الزهر، فلما التقت الرجال بالرجال، نزل الملك عن جواده وترجل هو ومن معه وحيوا دياب وقومه، تحيات الأصحاب والأحباب، وأخذوا يرشون عليهم الطيوب التي تشفي الكروب وعند ذلك أرسل بهم الى المضارب والخيام وذبح لهم الجزور والأغنام وأعطاهم أحسن مجلس ومقام، وقال لهم أنتم السادات ونحن العبيد.







Ayman silem
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع السيرة الهلالية والتراث العربى الاصيل .

جديد قسم : الموروث الشعبي والتراث الغنائي

إرسال تعليق