-->

قصة ابو زيد الهلالي - الجزء الرابع والعشرون والاخير - قصة مقتل الأمير أبي زيد

 قصة ابو زيد الهلالي 
الجزء الرابع والعشرون
والاخير
قصة مقتل الأمير أبي زيد

هذا ما كان من جوهر صاحب التاج، وأما دياب فانه شكره على ما أبداه، وقال له: اعلم أننا قد أتينا ضيوفا لنقيم عندك مدة من الزمان، وبعد ذلك نرحل، فقال: أهلا وسهلا بكم، ثم أنزل دياب في أحد قصوره وفرض لهم مكانا واسعا وأعد لهم محلا يرعون فيه المواشي، وبقي دياب مع الأمير جوهر في أعز واكرام وبسط وانشراح مدة من الزمان، أما أبو زيد فانه كان في أحد الأيام جالسا في بيته تذكر أرض نجد وعزها وما لاقى فيها من الهنا والراحة أيام الصبا، ثم تذكر الأهوال التي لاقاها في الطريق، حتى وصلوا الى بلاد الغرب، وتذكر زيدان والخفاجي عامر والقاضي بدير بن فايد وعقل ونصر وبدر بن غانم وأولاده وأولاد حسن الذين قتلهم العلام، فصار يبكي ثم تشوق الى رؤية دياب وقال: هذا رفيق عمري وحامل الشدات معي، وان كان قتل حسن فقد خلص عمره ومات بيومه، ثم خطر بباله أن يرسل يستعطف بخاطر دياب ويطلب منه أن يرجع الى بلاده، فكتب له جوابا بهذا المعنى

وختمه بختمه وأرسله مع النجاب، فأخذه وسار به يطوي الفيافي والقفار حتى وصل الى بلاد الحبش، فسأل عن دياب فأهداه عليه وأعطاه الكتاب لأخذه منه وفضه وقرأه وعرف رموزه ومعناه ورد عليه ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه الى النجاب، فأخذه وسار به وجد بقطع الروابي والقفار حتى وصل الى بلاد الغرب، فدخل على الأمير أبو زيد، وأعطاه الكتاب فقرأه، وبعد ذلك استدعى بعشرة أمراء من أولاد عمه وأولاد عم الأمير حسن وأرسلهم ليصالحوا الأمير دياب، ومازالوا يطوون الفيافي والقفار الى أن وصلوا لعند الأمير دياب ودخلوا عليه فلاقاهم وسلموا على بعضهم البعضوسألهم عن أبي زيد، فقالوا: أرسلنا لنرجع الصلح بينكم وتعودوا كما كنتم في القديم، فعند ذلك سار دياب الى الملك جوهر وودعه وركب بقومه ورجاله والشعرة الأمراء الى أن دخلوا بلاد الغرب، فخرج أبو زيد واستقبلهم وتصالحوا ورجعوا الى الأوطان، وعمل أبو زيد وليمة فاخرة وذبح الذبائح، فأطعم الغادي والرايح، وصار أبو زيد ودياب في محبة زايدة، ولكن أبو زيد ما أرجع لدياب ملكه وبقي هو الحاكم، فما هان على دياب وصار يقول: عسى أن يرجع لي ملكي والبلاد التي أخذوها مني وأبو زيد عاطي قفا، فاغتاظ دياب ونوى الشر لأبي زيد وقال في نفسه أنا صنعت دبوسا وسكينا، فالسكين قتلت بها حسن والدبوس لأبي زيد، فخلصنا من واحد وبقي علينا الآخر، وصار من ذلك الوقت يحمل الدبوس وكان بسبع فراشات من تحت العباية حت لا يلحظ عليه أبو زيد، الى أن خرجوا ذات يوم للصيد والقنص وكان مع أبي زيد جماعة من قومه، فوصلوا الى البر وتفرقت الفرسان ويلعب كأنه في الميدان، فصار يعمل ثله أبو زيد مقدار نصف ساعة، وبع ذلك خلى دياب ابا زيد سائرا أمامه، فصاح به: خذها من دياب، فالتفت أبو زيد مرعوبا فوجد في يد دياب سنبلة قمح، فضحك دياب وعمل الأمر ثلاث مرات ورابع مرة صاح دياب خدها من يد دياب، فلما التفت أبو زيد وظن أنها ضحكة مثل العادة، عند ذلك لكز دياب الشهبا طلعت كالريح حتى قربت من أبي زيد، فسحب الدبوس وضربه على رأسه، فطلع بزر مخه على الدبوس، فوقع أبو زيد على الأرض غميان، فوقف دياب وأخذته الشفقة فصار ينظر اليه ويبكي ويلعن الحمق ففتح أبو زيد عينيه وجد دياب واقفا، فقال له: ما كان ظني فيك يا دياب أن تغدر بي، ثم تنفس الصعداء وأشار يقول:

مقتل أبي زيد الهلالي

قال أبو زيد الحزين الهايم
دمع عيني على خدي سجايم

أيا دياب الخيل يا ولد غانم
أيا صاحب الأفضال بين العوالم

ما كان ظني يا دياب تخزنني
وتدعي صحبتك فوق الردايم

آلمتني يا دياب بضربتك
أيا حيف كنا يا أمير لزايم

ضيعت معروفي كسرت بخاطري
كم مرة خلصتك بضرب الصوارم

كم مرة أرادوا قتلك وشنقك
وأكون أنا لهم حقا مخاصم

أوصيك وصايا يا دياب احفظها
كرامة الى ربك اله العوالم

أول وصية في أولاد أبو علي
حسن سلطاننا من زمان قديم

ثاني وصية في أولادي جميعهم
رزق وريا وكل المحارم

وثالث وصية يا دياب بعليا
صبرا وشهلا راخيات الكمايم

فاحمي حريمي يا دياب من العدا
اذا جاء طارق بليل الظلايم

والجازية يا دياب أم محمد
دعها على قبري تقيم العلايم

يا ما تقضي بيننا عز وهنا
عجلت في قتلي أيا ولد غانم

اذكر أيام الحروب التي مضت
لما أصيح يا دياب ابن غانم

تجيني على الشهبا كما الريح جريها
ندعي دم الأبطال عالأرض عايم

ولما تصيح يا هلالي سلامة
ألبيك في عزم متين القوايم

ياما شربنا الكاس والسعد داير
وحسادنا في قلبهم منا سمايم

مقال الحزين ابن رزق سلامة
لقد سلمت روحي لرب العوالم


فلما فرغ أبو زيد من كلامه دمعت عينـا ديـاب وضمّه الى صدره وأنشد يقول:
يقول الفتى الزغبي دياب الماجد
ودمع العين على الخدود بحار

بغيتم علينا يا هلالي سلامة
فعايلك عندي لها أسفار

لما أتينا الغرب نحو خليفة
تركنا لنجد والفؤاد بنار

فقمتم ضربتوا الشورى يا أبو مخيمر
أنت والجازية وأبو علي المكار

قلتم دياب الخيل يرعى جمالنا
في سهلها وحرشها وقفار

أخذت أنا البوش سرت بسرعة
وقبلت على نفسي وسوم العار

جاني أبو خريبة وراح من صارمي
ومكحول مني ذاق كل بوار

لما عجزتم عن حروب خليفة
قمتم ضربتم على الزغابي شوار

عملتم عليهم قرعة يا سلامي
وأنا غايب عنهم بعيد الدار

راحوا جميعا واخزنا عليهم
وراحوا الأمار بالتراب دمار

زيدان أخويا كان شيخ شبابكم
ونصر وعقل الاثنين كالأقمار

ولا عاد فيكم يا هلال مقاوم
ولا عاد فيكم فارس جبار

أتتكم سعدة مثل شمس منيرة
بنت الزناتي تشبه الأقمار

قالت لكم أبويا يهلك جموعكم
لأن أبويا فارس مغوار

فلا بقتله الا دياب بن غانم
لأنه صميدع فارس جبار

أتاني أبوي غانم الشيخ ع العصا
وخبروني عما بالأمارا صار

قال لي قم خذ ثار أخوك
أجارك الهي من عذاب النار

وقلت له يابوي رد وارتجع
أنا ما عدت ألعب مع أولاد صغار

الزم حسن وأبو زيد يرسل مكاتبة
أجيهم على الخضرا كشعلة نار

قصيتوا شعور بناتكم يا سلامة
وخطل بيدي يا سلامة جهار

تقولوا تعال الينا يا ولد غانم
ترانا بضيقة والهموم كثار

أتيت اليكم أنا من فوق خضرة
لها جرى يسبق هوى التيار

فتحت لسوق الحرب مع ولد حمير
ثلاثين يوما ليلها ونهار

راحت الخضرا طريحة على الوطا
وعقلي وحق ربي عليها طار

من بعدها قد جيت نحو خليفة
أصليت أنا الشر مثل النار

جاني وجيته فوق شهبا أصيلة
بيضة حمامي مثل ضوء نهار

أذقته حربا كالصبر طعمه
فراح يكتب لي كتابا مستجار

يقول لي دياب الخيل بالله جيرني
وخذ الى رزقي أيا مغوار

فلما سمعت قوله ماردت صالحه
زيدان فتح لي جروح كبار

طعنت الزناتي طعنة في عينه
فراح أبو سعدة وصار دمار

أخذنا الى تونس وكل بلادها
وطاعت الينا صغارها وكبار

قسمتوا بلاد الغرب قسمة مثلثة
وكل واحد بقسمته قد صار

هذا برأيك أنت يا بو مخيمر
أما حسن بذي الأمور حمار

تعدى بقتل أولاد عمي جميعهم
مع اخوتي وقرايبي الأخيار

قاضي العرب حكم بحبسي مخالفة
في حبس مظلم يقصف الأعمار

سبع سنين كاملة في حبوسكم
أقاسي عذاب الذل والاكدار

وأنت مغمض عينك راضيا
كأن مالك بذي الأمور خبار

حتى سمح ربي باطلاق عبده
سبحان ربي كاشف الأسرار

جيت الى قصري وجدته مكنسا
أخذتم الى مالي وكل جوار

فنويت أني سوف أفني جموعكم
وأفني عبيدكم مع الأحرار

وأقتل حسن وكل من يطاوعه
وأملك بلاد الغرب بالبتار

وقد عانني ربي ونلت بغيتي
وأجريت فعلي بالذي قد صار

فأوصيك يا أبو زيد مني وصية
سلم على زيدان عز الجار

وسلم على أولاد أختي وأبوهم
عقل ونصر وعمهم نصار

وسلم على خالي بدير بن فايد
وسلم على الأمارا وأخيار

أودعتك الله يا هلالي سلامة
غدا نلتقي في آخر الأعمار


ثم ركب دياب جواده وترك أبا زيد وسار، فاجتمع بقومه فرأوه مرتبكا وسألوه عن حاله، فقال لهم: قتلتلأبا زيد وما بقي الا أن نسرح ونملك بلاد الغرب، وأصير السلطان عليه، فما بقي أحد يخاصمني، ثم أن دياب سار الى تونس ودخل الى سراية الأحكام ونادى باسمه وأخبر أنه قتل ابا زيد وأنه هو الحاكم على كل البلاد، فصار من يعانده يقتله ومن يطيعه ينعم عليه.

يرجع الكلام الى جماعة أبي زيد، لما وصلوا اليه وجدوه مطروحا على الأرض فصاحوا وناحوا وحملوه تارة يغشى عليه وتارة يصحى، حتى أوصلوه الى الحريم، فصاحت النساء وخرجن بلا براقع ومزقن ثيابهن وأقمن البكاء والمناحات، واجتمع العربان من كل ناحية ومكان، وأما الجازية فانها أرخت شعورها ونتفت خدودها.

فلما فرغت الجازية من ندبها أغمي عليها، ثم تقدمت بعدها عليا وهي تنتف شعرها وتمزق ثيابها، وقد زادت في بكاها وانتحابها وقبلته بين عينيه، وقالت له: سلامتك يا أبا الأبطال ويا زينة الرجال، وجعلت ترثيه بأبيات مؤثرة.

فلما فرغت عليا، بكت النسوان وصاروا في ضجة وأبو زيد غميان، ولما أفاق من غشوته تأسف على نفسه وكيف باق فيه دياب، وصار يودع أهله وعشيرته ومما قاله:
يقول أبو زيد الهلالي سلامة
ولي همة شاعت في كل بلاد

ولا وقعة الا وكنت بوسطها
ولا معركة الا ولي تنقاد

ولا كل رجل يكشف مهمة
ولا كل من طلب المعالي ساد


فلما فرغ أبو زيد، شهق شهقة واحدة، ففاضت روحه فكثر البكاء والنواح وغسلوه ودفنوه بجوار الأمير حسن، أما دياب فبلغه أن الأمير أبا زيد مات، فجمع ستين ألفا من قومه وسار الى بلاد القيروان، ليجري حكمه ويعمل كما عمل بتونس، ولما سمع بنو زحلان ودريد هذا الخبر، تشاوروا مع بعضهم، فاتفقوا أن يطيعوا دياب لأن ما لهم على حربه طاقة، ولما قرب منهم أتت الجازية وصارت تنخيهم، فما ردوا فبكت وقال: ما فيكم أحد يخاصم دياب وهو كبير وخرفان.

فلما انتهت أم محمد، ما أحد رد عليها الا أن بني دريد وزحلان وعامر وضعوا المناديل في رقابهم وخرجوا ينادون يا دياب أنت ملكنا ولا أحد منا يعصي لك أمرا، فدخل الأمير دياب وجلس على كرسي الأمير حسن، فهنأه الأمراء ودعوا له بالنصر، وأما الجازية والنافلة والحريم والأولاد فانهم تخلفوا، وفي الليل ركبوا وساروا مع كثير من قومهم وتسلطن دياب على بلاد الغرب، وصارت تأتيه الهدايا والتحف ورتب الأحكام وعزل ثم سأل عن اولاد حسن وأبي زيد، فأخبروه أن الجازية هربت فيهم مع بقية النسوان وتبعهم ثلاثون ألف نفس من بني دريد وزحلان، فتكدر وقال: كان بفكري أن أرتب لهم معاشا وأقوم بوصية الأمير أبو زيد، ثم ركب وتبعهم فما لحقهم، فرجع متكدرا.

يرجع الكلام الى بلاد الكوع، كان يحكمها سلطان اسمه شمعون، وكان له وزير اسمه أبو الجود، فلما قتل الزناتي وملكوا بلاد الغرب، قال لوزيره أن بني هلال وصلوا الى بلادنا وهم فرسان لا يوجد مثلهم في هذا الزمان سيما فيهم فارس اسمه أبو زيد من الأبطال العظام وفارس اسمه دياب بن غانم، وأخاف أن يصل شرهم الينا، فقال الوزير: خذ لهم الهدايا من الجواهر وسر الى الأمير حسن وقدم له الهدايا، ويصير بينك وبينه مودة وصحبة، فاستحستن شمعون هذا الرأي، فحمل الهدايا على الجمال وسار بألف فارس من أعيان قومه، ودخل على الأمير حسن وقدم له الهديا وسلم عليه، فترحب به وعملت الولائم، ووقعت المحبة والمودة، ثم عاد الى بلاده وبقي في أمان الى أن قتل الأمير حسن وأبو زيد، فعظم عليه الأمر وقال لوزيره: مرادي أن أجمع العساكر وأذهب الى بني هلال، فلا بد أن يكونوا وقعوا في بعض، فمن الموافق أن نكون حاضرين ونساعد القوي ويملك البلاد، ونكون قد قتلنا دياب لأنه صار شيخا كبيرا، ثم جمع العساكر وسار قاصدا بني هلال حتى دخل حدود الغرب، فنظر الغبار قد علا وسد منافس الأقطار، ثم انكشف عن ثلاثين ألف فارس ومعهم حريم ونسوان، فسأل عنهم فأخبروه بأن هؤلاء حريم حسن وأبو زيد وأولادهم اليتامى هاربين من دياب خوفا على أنفسهم، فاستدعاهم فحضرت الجازية فسألها عن الخبر، فأشارت تقول:
تقول فتاة الحي أم محمد
بدمع جرى فوق الخدود غزار

وأصغي لقولي يا حماة الدار
ألا يا ملك شمعون اسمع قصتي

وهؤلاء يا ملك عبيدنا وجوار
أنا بنت سرحان أخت أبو علي

نمرح فيها ليلا مع نهار
كنا بنجد في سرور وفي هنا

أتانا الزناتي مثل شعلة نار
رحلنا لأرض القيروان وقابس

برأس رمحه المرهف البتار
قتل منا تسعين قتيلا مجربا

بعزم شديد يفتت الأحجار
قتله أبو وطفا دياب بن غانم

ملكنا مداينها مع الأنهار
ملكنا بقتله سائر الغرب يا ملك

ويقعد به سلطان أيا مغوار
أراد دياب يملك القصر وحده

سبع سنين في بلاء واكدار
حبسه أخي سبع سنين كوامل

وأطلقه أبو زيد الهلالي غصيبة
وهذه حيلة منهم عليه دار

وجانا دياب مع أكابر قومه
وقلبه أسود خائنا غدار

دياب ذبح حسن فوق عال فراشه
وخلاه يتخبط ميمنة ويسار

وراح هرب هو وكل جموعه
دخل بلاد الزنج والأقفار

جابه أبو زيد طيب بخاطره
وأرسله مكتوب بالاحضار

وبعده أتوا للصيد في عز وهنا
ولعبوا بالجريد كم مشوار

فشال دياب من تحت باطه لسلامة
دبوس حديد فيه ألف مسمار

ضرب به سلامة أرماه على الثرى
ضربات دياب ما عليها عيار

فجينا الى عندك طالبين مكارمك
يا برمكي يا مكرم الزوار

وعاد دياب مالك الغرب كلها
وصار ملك والعز له صار

هذا ما جرى فينا وهذا ما اصابنا
والدهر دولاب علينا دار


فلما فرغت الجازية من كلامها أشار الملك شمعون يرد عليها ويقول:
يقول الملك شمعون والقول صادق
نيران قلبي زايدات سعار

ألا فأبشري بالخير يا أم محمد
لقد زال عنكم سائر الأكدار

وقلبي على حسن الهلالي موجعا
وأبو زيد خلا الدموع غراز

ولكن لهم أولاد يخلفوهم
ويسقوا دياب علقما ومرار

أنا كنت سائر نحوكم لأعينكم
وأنظر ماذا بينكم قد صار

ولكن أتيتم سالمين بأهلهم
فابقوا واصبروا والفلك دوار

وارعوا أراضينا واجنوا ثمارها
فأنتم والله أكرم الخطار

لكم عندنا الإكرام والخير والهنا
والعز والناموس والأوقار


فلما فرغ شمعون من كلامه والجازية تسمع نظامه، قالت له ارجع فما الآن وقت ذهاب، لأن دياب له سطوة في بني هلال وألقى الرعب في قلوب الجميع، وما أنت من رجاله، فالأوفق نصبر الى أن يأتي الفرج وهو قريب لأن دياب كبير السن وما له سوى ولد صغير يرضع، اسمه نصر الدين، أما الجازية فتركت اليتامى عند الملك شمعون، فعين لهم أرضا وصاروا يرعون المراعي، وما عاد للجازية هم الا تربية اليتامى وتعليمهم الحرب والقتال، ولما وصل خبرهم الى الأمير دياب، فأراد يجمع العساكر ويذهب اليهم، فقال له بنو زغبة: الأوفق أن لا نذهب اليهم لأن بلاد شمعون حارة، اذا طال بنا الحرب نهلك ونعطش، وربما بني دريد وزحلان اتفقوا مع الأولاد، فيطول علينا الحال، فقال: أنا خايف أن ينتظروا حتى أموت، ويأتوا ويملكوا البلاد ويذلوا ابني ويذلوكم، فقالوا له: الأوفق أن تكتب كتابا الى الملك شمعون توعده بالمال حتى يقتلهم، فاستصوب هذا الأمر وتوسل الى شمعون يقول:
يقول الفتى الزغبي دياب الماجد
ونيران قلبي زايدات سعير

يا أيها الغادي على متن ضامر
تسبق هبوب الريح عند مسير

اذا جيت للكوع فانزل بربعها
واعقل جوادك بالزمام وغير

وأعط للسلطان شمعون تقتل اليتامى
وتدعيهم على وجه التراب عفير

ولا تغرك الجازية أم محمد وحسن وجهها
أصل الفتن تأتي من الوجه المنير

وخذ أموال دريد وجمالهم
وأبقى أنا لك بالحروب نصير


فلما فرغ دياب من الكتاب، سلمه الى راشد بن نبهان ليوصله الى الملك شمعون، فسار حتى دخل بلاد الكوع، فصادفه الوزير أبو الجود، فأخذ الكتاب وقرأه فأدخل الرسول للضيافة وأخذ الخطاب واستدعى الأولاد وقال لهم: اقرءوا هذا الكتاب، فلما قرءوه خافوا وقالوا: نحن واقعين عليك يا وزير، فقال: لا تخافوا لأن الملك اذا نظر الكتاب يقتلكم، لأنه طماع ويخاف من دياب، وما لكم الا أن ترسلوا له الجازية تدلع عليه، فهو وقع في هواها، فقالوا لا يليق بنا أن نكلم الجازية هذا الكلام، فقال لهم: أنا أحضرها وفي الحال بعث رواءها فجاءت وقرأت المكتوب فتكدرت وقالت ما الرأي عندك؟ فقال: الرأي أن تذهبي الى الملك شمعون وتدخلي عليه، فانه لا يضركم فقالت له: أنا امرأة مسلمة وزوجي شريف النسب، فلما سمع أبو الجود كلامها قال في باله هذه المرأة تكرم دينها، فالأوفق أن أساعدها، ثم قال لها:

أنتم معكم ثلاثون ألف فارس، وأنا عندي اثنا عشر ألف فارس، فالجملة اثنان وأربعون ألفا، فأرسلي أولاد أخيك الى السلطان شمعون، يقولون له مرادنا نزوجك عمتنا، فيفرح بذلك أنه واقع بهواك، فمتى دخلت عليه يدخل معك شيبان ويذبحه، ثم نقتل اليهود ونملك البلاد ونقيم حاكما من أولاد أخوتك، وأنا أتزوج بك وتصير البلاد في يدنا، فاتفقوا على ذلك وذهبوا الى الملك شمعون وعرضوا طلبهم، ففرح وقال لهم: مهما شئتم فاطلبوا، فقالوا له: لا نريدك الا سالما، ثم أحضروا الحاخام فكتب كتاب الجازية على الملك شمعون، وبعد تمام الفرح دخلت على شمعون فوجدته منتظرها في قاعة النوم وعليه الملابس الخفيفة ودخل معها شيبان بن أبي زيد وبيده الخنجر، فضربه به وقطه رأسه ووقف في طاقة القصر وقال قضي الأمر، وكان الوزير والأمراء منتظرين تحت القصر، فغاروا على اليهود وأبلوهم بالذل، وقتلوا أعيانهم وملكوا القلاع وأهلكوا رؤساء العساكر وما أصبح الصباح حتى انتهوا من الأعمال ودخلوا سراية الحكومة وأجلسوا الأمير بريقع ابن السلطان حسن ملكا على بلاد الكوع، وفرق العساكر في جميع الجهات وراق له الحال، فلما شاهد الرسول ما صار، خاف على نفسه فهرب الى دياب، فأخبره بالخبر، فقال له أحد الأمراء أنت قتلت الحية وتركت رأسها، هؤلاء الأولاد لا بد ما يأتوا ويأخذوا منك بثأرهم، فضحك دياب وأخذ يكتب لليتامى كتابا، فلما وصل اليهم قرءوه، فقالت الجازية أن دياب قلبه دليله والذي له عدو لا ينام، ثم كتبت الى دياب تقول:
برق يلمع من خلال اليماني
هيج بالقلب وجدي بعد ما دهاني

والريح هبت في ضميري وخاطري
الله يقهر كل ظالم خوان

دياب يا أمير ترسل تهددنا
كنا لكم يا أمير بالوغى اخوان

نحن تركنا لك بلادا تخصنا
ولا عدت تنظرنا بطول الزمان

الله يسامحكم بها ويطول عمركم
وتدوموا بخير يا أبا الاحسان

والله يعوض أبا دياب بغيركم
فصرنا ملوكا وعاد الدهر كما كان


فلما فرغت الجازية من كلامها، طوت الكتاب وأعطته للرسول، أخذه وسار الى دياب، فناوله اكتاب ففضه وقرأه، فقال: لا بد ما أرتب وأدهمهم في بلادهم، وفي ذات الأيام أتوا شعراء فمدحوا السلطان دياب ووصفوا له بنت الأمير ماجد بن الهدهاد، فسأل دياب عنها فأخبروه أنها لم يوجد مثلها في الدنيا، وكان خاطبها السلطان حسن لابنه بريقع، فعند ذلك قال دياب والله نحن أحق بها من الغير، ثم كتب مكتوبا الى الأمير ماجد يطلب ابنته، وبعث المكتوب مع الأمير عرندس، فأخذه وسار حتى دخل على الأمير ماجد، أعطاه الكتاب فقرأه وترحب في عرندس واستشار قومه، فقالوا له ابعث وقل له بنتي مخطوبة الى الأمير بريقع، ولا يليق أن أفسخ الخطبة والأمير بريقع ابن عمك، فكتب الى دياب وأرسل المكتوب مع عرندس، ثم قال: هلموا بنا الى نجع الأمير بريقع لئلا يأتي فيقتلنا ويقتل أولادنا، فهدموا البيوت وحملوا حريمهم وساروا يقطعون الفيافي والقفار، قاصدين بلاد الكوع، أما عرندس دخل على دياب وأعطاه الكتاب ففضه وقرأه، فغضب غضبا شديدا وركب بالفرسان والأبطال، قاصدا ماجدا حتى وصل الى بلاده، وجد الأرض قفرة والمزار بعيدا، فرجع وأرسل الجواسيس تفتش عليه، وكان عند دياب بنت أخته وهي بنت الأمير حسن واسمها أمينة، وكانت لما هربت الجازية واخوتها، بقيت هي وأخذها دياب ووضعها عنده، وكانت بنت دياب تشتم لها اخوتها وأولاد أبي زيد وتقول: لا بد أبي ما يقتلهم! ! وقد سمعت أن أبي أمر يجيب اخوتك ويخدمهم عنده وان ما قبلوا يسير إليهم، فقالت: ان اخوتي صاروا ملوكا، ولا بد ما يأتون ويأخذون بالثأر من أبيك، فغضبت منها وضربتها فتركتها وراحت الى قبر أبيها، وصارت تبكي، وإذا برجلين مقبلين واحد أبيض والثاني عبد، فوصلا الى قبر الأمير حسن وأبي زيد، وصارا يبكيان، فقالت لهما: من أنتما وعلى من تبكيان؟ فقال لها أحدهما: نبكي على موالينا وأسيادنا أنا بدر بن قاشع وهذا عبد أخيك وكنا عائشين بنعمتكم حتى غدر بنا الزمان، رحنا مع اخوتك وصرنا نسافر مثل المكارية من بلد الى بلد، والآن ذاهبون الى بلاد الكوع فان كان لك غرض أو وصية فانا نوصلها لك، فأشارت تكتب الى اخوتها وتقول:
تقول أمينة بنت من ساد ذكرها
بدمع جرى من مقلة العين عايم

تعاندني الأيام والدهر هانني
وصرت حزينة والعقل صار هايم

أداري أنا روحي وأكتم بخاطري
ولا أعرف الراحات والرب عالم

يا أيها الغادي على متن ضامر
تشق فلاة الأرض مثل النسايم

فأهدي سلامي ثم أعطي رسالتي
رسالة محزونة تذوق العدايم

الى أخوتي عز الملوك اذا علوا
وسلم على أولاد عمي اللزايم

يجوني على خيل كما الريح جريها
عليها شباب كالليوث الضياغم

بكل مهندي والرديني بكفه
لسان الحنش مسقى بسم الأراقم

عسى يأخذون الثار من ولد غانم
ويدعوه فوق الأرض مرمي وعادم

تبقى بلاد الغرب طوعا بيدكم
وتحكموها مثل أبوكم حاكم


فلما فرغت أمينة من كلامها، طوت الكتاب وأعطته الى بدر، فأخذه وسار هو والعبد حتى وصل الى بلاد الكوع، ودخل على الأمير بريقع، أعطاه الكتاب وخصلة الشعر، فلما نظروا الشعر وقرءوا المكتوب، هاجوا وماجوا ووقع فيهم البكاء والنحيب وجددوا حزن أبي زيد والأمير حسن، فعند ذلك نهض الأمير شيبان وقال لهم: مالنا ولهاذا البكاء! قوموا حتى نركب ونسير الى حرب دياب، فأما أن نموت أو نأخذ ثأرنا ونخلص حريمنا ورجالنا من ذل دياب، فقال بريقع هذا هو الصواب، ثم أنهم ركبوا بستين ألف فارس وساورا واليتامى أمامهم، وعندما أمسى المساء نزلوا ليرتاحوا فسمعوا صوت عرب نازلين بالقرب منهم، وشاهدوا نيرانهم، فقال بريقع لأظن هذا دياب أتى ليقتلنا، فما لنا الا نرسل من يكشف لنا الخبر، فقالت الجازية أنا أسير وأكشف لكم الخبر، ثم قلعت ثياب النساء ولبست ملابس الرجال وتقلدت بالسلاح وأخذت معها شيبان وبريقع وأوصت الا أحد يشعل النار أو يبدي حركة قبل أن يحضروا، ثم ساروا تحت الظلام حتى قربوا من الربع، فسمعوا بكاء الأطفال ونبيح الكلاب، فعلموا أنهم عرب راحلوان بعيالهم ويمكن هاربين من دياب، ثم دخلوا بين العرب وسألوهم عن أميرهم فدخلوا عليه، فقام لهم واقفا على الأقدام وترحب بهم وأجلسهم وقدم لهم الطعام/ فأكلوا ثم قدم لهم القهوة فشبوا، وبعد ذلك قالت الجازية كثر الله خيرك يا ابن عمي ماجد، فقال أراك عرفتني أيها الشاب الظريف وأنا ما عرفتك فمن تكون، فقالت الجازية صدق المثل( من غاب عن العين سلاه الخاطر ) أنا الجازية أخت السلطان حسن، وهذا بريقع وهذا شيبان، أتينا نأخذ بثأرنا من دياب، فوصلنا الى هذا البر في هذه الساعة، فسمعناكم وقصدنا نكشف خبركم، فلما سمع ماجد كلامها، قال أهلا وسهلا بصهري، وصار يقبلهم وهو لايصدق من عظم الفرحة، ثم حكى لهم قصته مع دياب وكيف بعث طلب بنته مع عرندس، فقال له: ان ابنتي مخطوبة الى بريقع، ثم شاع الخبر، فصارت تحضر أمراء الأمير ماجد وتسلم عليهم، وبقوا مدة ساعة وبعد ذلك قال ماجد الحمد لله الذي صادفنا بعضنا في هذا المكان، فما عاد لنا الا المسير لأخذ الثأر، وقد بلغني أن دياب صار خرفانا وما عاد عزمه كالأول، وهو يظلم في الرعية من خفة عقله، وصار الكل يكرهونه، فقالت الجازية لنكتب مكتوبا الى بني دريد ونحركهم يساعدوننا لأخذ الثأر، فقالوا هذا هو الصواب، ثم ودعوا الأمير ماجد وساروا وأخبروا الباقين، ففرح الجميع، وفي الصباح ركب الأمير ماجد وأتى وسلم عليهم، فترحبوا به وقدموا له مزيد الاكرام، ثم أخذت الجازية تكتب الى الأمير طوي بن مالك وتنخى قومه لحرب دياب وتقول:
تقول فتاة الحي أم محمد
وقلبي اليوم كان مألوم

وقد كنت محزونة الهم والأسا
على فقد ابن سرحان والقيدوم

أبو زيد أنا والنبي ما نسيته
وكان الأمير الى الأسرار كتوم

أميرين والله ليس يوجد مثلهم
وكان لهم سعد قوي مخدوم

قتلهم أبو وطفا دياب عداوة
يجازيه ربي الواحد القيوم

لكن ربيت له لأخذ الثار عزوة
أمارة كراما كلهم وقروم

يكيدوا العدا بيوم كرب وملمة
وما فيهم الا كل ليث هجوم

يا أيها الغادي على متن ضامر
تسبق هبوب الريح وكل نسوم

اذا جيت لأرض القيروان وقابس
تلاقي بها الزغبي أمير حكوم

فسلم على طوي خليفة عمنا
أميرا كريم خليفة المرحوم

وسلم على أهل الدريدي جميعهم
أمارا ليوثا ما بهم ميشوم

وقال أن الجازية أم محمد
تنبيكم الأخبار ثم علوم

ان كان أنتم تحضروا وتوافقوا
تحضروا حالا لنقضي المعلوم


فلما فرغت الجازية من كلامها، أرسلت الكتاب الى ابن مالك، فأخذه النجاب وسلمه الكتاب، فقرأه على أمراء بني دريد، ففرحوا جميعا ثم أجاب يقول:
يقول طوي والدموع غزارى
والنار في قلبي تزيد سعاري

الله أكبر زال عنا همنا
وقلونا فرحت بذي الأخبار

من خمسة عشر عام في أسر وعدا
وفي القلب منهم دوم شعلة نار

لما سمعت أخباركم يا جازية
أضاء علينا الحي ثم الديار

ففرحوا بكم أهل الدريد جميعهم
ونسوانهم فرحت بأخذ الثار

اقراءوا سلامي للأمير بريقع
أيضا شيبان الفتى المغوار

يا جازية هاتي القردوم وأسرعي
لعند أبو وطفا لآخذ الثار

دياب غدا خرفان وحيله انقطع
ما عاد لع عزم على البتار


فلما فرغ طوي بن مالك من الكتاب، سلمه للنجاب فأخذه وسار حتى وصل لعند الجازية، أعطاه الكتاب فقراته بحضور الأمراء ثم قالت:

ان دياب لا بد ما يغدر بقومنا لأن هذا الخبر لا يختفي، ثم كتبت مكتوبا الى طوي بن مالك تقول له: خذوا حذركم ونهار غد العيد، اذا حضرتم لعند دياب فالبسوا دروعكم وأسلحتكم تحت ثيابكم، وحن نصل لعندكم يوم العيد، وانقسموا فرقتين، النصف يجلسوا على المائدة والنصف يكونون راكبين خيولهم، فسار الرسول الى طوي بن مالك، فقرأ الرسالة وقال نعم ان بني زغبي أخذوا الخبر عن اجتماعاتنا وأوصلوه الى دياب، فلما عرف ذلك قال لربعه، الرأي عندي أن نعمل وليمة على العيد، وعندما تجتمعوا ادهموهم بسيوفكم واقتلوهم ولا تتركوا من أكابرهم أحدا، وفي يوم العيد عمل دياب وليمة ومد السماط وكان شي يدهش العقول، وعزم بني دريد وأكابرهم، فحضروا ودخل نصفهم وجلسوا على الطعام، وبقي النصف الآخر على ظهور الخيل، وفي تلك الساعة ارتفع الصياح من كل ناح، ووقع الصوت في بني هلال، وارتجت الأرض فدقت الطبول وارتفعت الرايات وزلغطت النسا، فسأل دياب عن الخبر، فأخبروه بما جرى من اليتامى، وأنهم نهبوا البوش وقتلوا الرعيان وطافوا على البلد من كل مكان، فعند ذلك أرسل دياب الى ابن أخته بريقع، جوابا يهدده بالقتل وأعطاه الكتاب، فقرأه وقال أن خالي خرفان ومراده أن أرد له البوش ونحن لا نرضى بالبوش ولا بأخذ روح دياب، ثم أشار الأمير بريقع يرد الجواب، فلما قرأه يداب امتقع وتكدر ورد عليه بكتاب، فأمر بالركوب، فركبوا اليتامى ودقوا طبول الحرب وتقلدوا بسلاحهم ونشرت بيارقهم وزغردت لهم النساء وانضم لهم قومهم بنو دريد وبنو زحلان، ونزلت بنو زغبي الى الميدان يتقدمهم دياب وهو من الكبر صار شعره أبيض، فانتصب ميدان الحرب، فبرز الى الميدان فارس من بني زغبي اسمه الدهام، وطلب مبارزة الفرسان، فقالت الجازية ما أحد ينزل الى هذا الفارس غيري، فقالوا هذا عار علينا واذا نزلت له نخاف عليك لئلا تقتلي، فقالت لهم: ما ينزل الى هذا الفارس غيري، قال الأمير شيبان، اتركوها تبرز الى هذا الفارس ونحن نقف بالقرب منها، فان رأيناها مغلوبة ساعدناها وان رأيناها غالبة تركناها، فبرزت الجازية الى الميدان وهي مقلدة بالسلاح والدرع، فتلقاها الأمير دهام وصار بينهما كر وفر وطعن يقصف العمر، وضربت هامه أرمت رأسه قدامه، فوقع قتيلا وفي دمه جديلا، فاغتاظ الأمير دياب وقال: من هذا الفارس الذي قتل فارسنا واليتامى ما فيهم فارس الا مخيمر ابن أبي زيد، ومخيمر مات في بلاد الكوع؟؟

ثم برز من بني زغبة فارس اسمه أبو جمرة ابن الأقرع صدم الجازية وضربها بالرمح، فخلت عنها وضربته بالرمح في صدره طله من ظهره فوقع قتيلا فقالت بنو زغبة ما لهذا الفارس يا أمير سواك! !

فعند ذلك برز الأمير دياب الى الميدان وقال من أنت أيها الفارس المفتخر بنفسه على أبناء جنسه؟ فقالت له: أنا ابن هذا الميدان، فما لك وللسؤال؟ فقال لها: أنا لا أقاتل الا من كان حسبه مثل حسبي ونسبه مثل نسبي، فقال له: أنا أكثر منك حسبا ونسبا، أنا الجازية أخت الأمير حسن وقد جئت لآخذ منك بالثار، فضحك دياب حتى استلقى على قفاه، ثم قال لها: أنا لا أقاتلك لأنه عار علي أن اقتل امرأة، واذا قتلتك يقول الناس دياب يحارب امرأة، روحي أرسلي الأمراء، فقالت له: ما أروح من هنا حتى أحاربك، يا خائن يا غدار وما جزاؤك الا قطع رأسك..

فلما سمع دياب كلامها لعبت برأسه نخوة الرجال وضربها على جبينها فوقعت على الأرض ميتة، فندم عليها ورجع من الميدان وقال ما كان لازم نقتلها، وأما اليتامى فأخذوا الجازية، كفنوها وعملوا عليها مناحة عظيمة، بكى عليها القريب والبعيد، وفي ثاني يوم برز بريقع الى الميدان، فبرز اليه دياب والتقى البطلان كأنهم جبلان وحان عليهما الحين وغنى فوق رأسيهما غراب البين، فقام دياب بعزم الركاب وضرب بريقع بقفا يده، أرماه الى الأرض، ثم صار يضحك عليهم ويقول في نفسه لولا وصية أبي زيد لي كنت أفنيتهم عن آخرهم، ولكن خليهم يعرفوا مقام أنفسهم، وأما اليتامى فانهم رفعوا بريقع واحتاروا في أمرهم ماذا يفعلون، فاجتمعوا عند ماجد يتشاورون فقال لهم ماجد الرأي عندي أن تهجموا عليه هجمة واحدة ولا بد ما تصيبه ضربة فيقع على الأرض، فلا تتركوه حتى يموت، فقالوا هذا هو الصواب، وفي الصباح برزوا يطلبون الحرب والكفاح ودقوا الطبول وتقدم بريقع أمام دياب بلا درع وما معه الا السيف والترس، فالتقاه الأمير بريقع ووقع القتال وانحدنوا اليتامى مرة واحدة، فالتقاهم وصاح فيهم صيحة ارتجت منها الجبال وأراد أن يضرب بريقع بالسيف يقطعه قطعتين، فطوحه صبي بالرمح من بعيد وقع في جنبه فمال دياب على الأرض من عظم الألم، فعند ذلك تقموا اليه وقال له بريقع كيف حالك الآن؟؟ فقال دياب: أنا شبعت من الدنيا وكل موتة ولها شبب وأشكر الله الذي مت قتيل أولاد حسن وأبي زيد ولا قتلني أحد غريب، ثم غاب عن الوجود مقدار ساعة ثم أفاق يودع الدنيا ويقول:
يقول الفتى الزغبي دياب المفارق
سبحان ربي مالك الملكوت

سبحان رب العرش جل جلاله
له الحمد والاحسان والمثبوت

سبحان من أنشأ من الطين آدم
وخرت له الأفلاك بعد خبوت

خلقهم وتكفل تقسيم رزقهم
وكل له أجل ورزق وقوت

هلال وعامر مع دريد وزغبي
اذا شافهم انسان غدا مبهوت

فكم من ملك جاهم وكم قبيلة
وراحوا من يد هلال شتوت

ندمت على فعلي بهم ندامتي
على ما جرى لي وفات الفوت

قتلت أمارتهم وأخذت بلادهم
وكم ملكت عروش وتخوت

عشرين تخت منهم ملكتها
مرصعة بالدر والياقوت

أيا نار قلبي من فراق أبو علي
وأبو زيد تغلي كالمياه وزيوت

أنا مفارق الدنيا وذاهب لغيرها
قصدت ربا حاضرا ليس يموت


فقال بريقع هذه السكين التي ذبحت بها أبي، فقطع رأس دياب وتركه ورجع، فأتى قوم دياب فأخذوه وأكثروا عليه البكاءوالعويل ومزقوا ثيابهم ورفعوا البيارق السود، واجتمع الأمراء من كل ناحية وحضر الأمير بريقع واخوته، فأخذوا خالهم ودفنوه بعد أن بكوا عليه وعادوا الى بني زغبة فوجدهم طائعين سامعين وجلس بريقع ملكا على بلاد الغرب وراقت له الأحوال وأقام أولاد شيبان ورزق وزراء عنده، وما سأل عن أولاد خاله دياب، أما نسرين زوجة دياب فانها لما قتل زوجها، قالت لإبنها لا بد وأن أولاد عمك يعملون حيلة عليك ويقتلونك ويرتاحون من نسل دياب، لأنهم يخافون من لئلا تأخذ ثأرك منهم، فقم اركب الشهبا لنذهب عند أحد من أصحاب أبيك، لبينما يصير وقت مناسب لأخذ الثأر، فركب نصر الدين على الشهبا وأردف أمه رواءه وخرجا من البلاد حتى وصلا الى غدير تحت جبل وعليه رعيان تسقي جمالها والبنات والنسوان تلعب حواليه، فحول نصر الدين بوالدته فأكلا وشربا، ورأى نصر الدين على المنهل صبية كأنها شمس منيرة بعينين زرقاوين وحاجبين مقوسين، شفتاها كالعناب تسبل من رآها بحسنها ودلالها واعتدالها، فتقدم وخاطبها بقوله:
يقول نصر الدين من ولد غانم
يا مرحبا في نجمة الصباح

أهلا وسهلا ثم ألفين مرحبا
فالعقل يا مليحة معك راح

بالله أخبريني يا مليحة بأصلك
وعن قومك عساهم قوم ملاح

لأن قلبي يا مليحة انكوى
وجسمي انضنى وقلبي مني راح

وان سألتني يا مليحة نسبتي
اسمي نصر الدين الفارس البطاح

أبوي ترى دياب الماجد المنتخب
جرى صيته في براها وبطاح

جاوا علينا أهلنا يا مليحة
قتلوا أبوي كان عزه لاح

وصرنا ضيوف الخيرين بأرضكم
حتى الهي يخفف الأتراح

ردي جوابي يا مليحة بالعجل
أخذت العقل مني مع الأرواح


فلما فرغ نصر من كلامه والصبية تسمع نظامه، بكت لحاله لما عرفت أنه ابن أكبر فرسان الزمان وأحبته، ثم أشارت تجاوبه وتقول:
قالت فتاة الحي باني التي شكت
جرى الهوى خلى الفؤاد شعال

حبك أيا نصر و الله أضناني
وادعى لقلبي فوق نار هبالي

أنا بنت صالح يا أمير بلا خفا
أبوي أمير فارس قتال

أبوي أمير ابن أمير و أميرة
حاكم على المكناس بالاجمال

أيا نصر أنا وحيدة عند أبي
ربيت في قومي بعز و دلال

هيا بنا يا أمير نحو نجوعنا
وحبك بقلبي ليس منه زوال

و أرحم فتاة يا أبن ولد غانم
تعلقت بالحب عامدا الأجيال

و نقضي بقايا العمر سوية
و نعيش في خير و صفوة بال

مقال فتاة الحي بأني شكت
نار الهوى شبت بقلبي أيا مفضال


فلما فرغت الست بأني من كلامها، تقدمت أمه إلى باني و قبلها و قالت لها اذهبي إلى أبيك و أخبريه بحالنا، فإن أراد أن يرسل يأخذنا لداره لان ذهابنا معك يشين بعرضك، فودعتها و سارت إلى أبيها و قالت له يا أبي و جدت على الغدير إمرأة غريبة و معها ولد هو إبن دياب، وهما قاصدانك من بلاد بعيدة، فلما سمع الأمير صالح كلام ابنته، أخذه العجب، لان دياب كان خلص له من بعض أمراء العرب، و قتل له خصمه و بقي حافظا له هذا المعروف، و لذلك أمر العبيد أن ينصبوا صيوانا أمام صيوانه، وركب في مائة فارس و سار إلى الغدير و تقدم إليه الأمير نصر الدين و قبل يديه و قبله صالح و قال: أهلا و سهلا بابن الأمير دياب، ثم اركبوا أمه في هودج وسار نصر الدين على شهبا، و صار الأمير صالح لا يرفع عينيه منه لانه رآه جميلا جدا وعلامة الفروسية لائحة عليه، ولما و صلوا لاقتهم البنات باحتفال زائد، فنزلوا بالصيوان الذي نصبوه و كان مفروشا بالحرير و مزركشا و مزخرفا، ولما استقروا للراحة حضر الطعام و المدام و باتوا تلك الليلة منشرحين مسرورين، و ثاني يوم إجتمع الأمراء و الأعيان عند الأمير صالح، فأتى بهم إلى صيوان نصر الدين، فقام لهم على الأقدام ولاقاهم بالترحيب والإكرام، وبعد أن جلسوا أخبرهم نصر الدين بقصة والده، فبكى الأمير صالح، و صاروا يعزون نصر الدين، وقال له الأمير صالح لا تتكدر يا ولدي، فمن خلف مثلك ما مات، و اصبر على حكم الله، و الآن حيث أنى كبرت و ما عاد لي إقتدار، فمرادي أن أنصبك مكاني حاكما على العشيرة، وقد زوجتك إبنتي بلا مهر، فتعجب الأمير نصر الدين من كرم الأمير صالح ووثب و قبل يديه و شكره على معروفه، ثم انصرفوا و صار الأمير صالح يهيء لوازم العرس، و أرسل إلى جميع القبائل يدعوهم إلى عرس إبنته، فتواردت العربان من كل جانب و مكان، و أقاموا الأفراح و الليالي الملاح ودقت الطبول و نفخت الزمور وعين الأمير صالح مدة العرس أربعين يوما، فنحروا النوق و الأغنام ودارت ليالي الأفراح، و نهار الأربعين بنوا صيوان الأمير نصر الدين و البسوه حلة من الحرير و أجلسوه على كرسي من العاج و قام الميدان ولعب الجريد بين الأبطال، وعند المساء أخرجوا العروس وهي كالشمس المنيرة وعليها من الجواهر ما يبهج الأنظار و ركبوها على هودج عال من الحرير المقصب، وبعد أن طافوا بها ادخلوها على صيوان نصر الدين، و أتى القاضي و الشهود وعملوا الفروض الدينية، ثم إنصرف الجميع وبات نصر مع العروس في هناء و سرور، وبعد ذلك جلس نصر الدين حاكما على القبيلة عوضا عن الأمير صالح، و باركت له الأمراء و الأعيان وصار يتعاطى الأحكام و يعدل في الرعية و يوهب و يعطي الشعراء و الفقراء، حتى أحبه القريب و البعيد و صارت يركب إلى الغابات يصطاد الأسود و الفهود ويسطو على كل عاص و نمرود، حتى طاعت لحكمة كل القبائل وصار له اسم وهيبة أعظم من أبيه.

( قال الراوي ):
هذا ما كان من نصر الدين، وأما ما كان من الأمير بريقع ملك تونس، فانه بعد قتل الأمير دياب كثر ظلمه وطغى وبغى وتكبر، ولا عاد يفكر بين الأمير والفقير وأكثر من جوره على بني زغبة، وانعكف على معاشرة النسوان واللهو، ولما أعياهم الأمر، اجتمعوا عند الأمير خطير، أكبر أمراء بني زغبة وقالوا: ما عاد لنا طاقة على ظلم أعداءنا وهم دائما يتسلطون على أموالنا وحريمنا، قال يال قوم أنتم عملتم بحالكم هذا العمل لأنكم تهاونتم وما أحد منكم شهر سيفا لأخذ ثأر الأمير دياب، ولا يفرجكم من هذا الضيق الا الأمير نصر الدين، فالأوفق نستخبر عنه في أي أرض ونستدعيه ويستلم قيادة الفرسان، فقالوا افعل مرادك، فكلف الأمير خطار شاعرا خبيرا بالبلاد أن يسأل عنه، فقال أعطوني رفيقين، فأعطوه واحدا اسمه حامد والثاني اسمه منصور، فلبسا ثياب الشعراء وصارا يطوفان البلدان ويمدحان الأمراء حتى وصلا الى غدير ماء في بلاد الفاس والمكناس، فوجدا جماعة من الرعيان فسألوهم عن اسم أميرهم فقالوا اسمه نصر الدين ابن الأمير دياب، فلما سمع الشاعر ناصر هذا الكلام، كاد يطير من الفرح وقال له: بالله عليك يا بن العم دلنا على هذا الأمير، فنحن من عربه فسار كبير الرعيان أمامهم حتى وصلوا، فوجدوا المجلس محبوكا، فجلسوا في الخارج، فالتفت نصر الدين وجد الشعراء خارج الباب، فقال: تفضلوا يا شعراء شرفونا، فدخلوا فأمر أن يأتوا بالزاد فأكلوا وأحضر لهم القهوة، وبعد ذلك قال لهم الأمير نصر الدين هاتوا ما عندكم من الأشعار، فعند ذلك أخذ ناصر ربابته وراح يمدحه بشعر جميل.

فلما فرغ ناصر من كلامه خلعوا ملابس الشعراء وقالوا له: نحن أولاد عمك وقد أتينا بصفة شعراء لندور عليك في البلدان حتى تجئ وتخلصنا من ظلم نبي هلال والحمد لله الذي وجدناك فلما عرفهم نصر الدين وثب اليهم يسلم عليهم ويقبلهم وقال لهم يلزم أن تبقوا عندنا ثلاثة أيام ثم تعودون وتبشرون أهلي أني بعد ثلاثين يوما أكون عندهم فأقاموا عنده ثلاثة أيام خلع على كل منهم خلعة ملوكية وساق أمامهم الأنعام فارادوا أن يستعفوا فقال لهم لا بد أن تأخذوه لأن سمحت لكم وأنا لا أرجع بما أعطيت فأخذوا كل ما وهبهم وساروا يقطعون البراري والقفار حتى وصلوا لبيوتهم فأتى بنو زغبي وسلموا عليهم ومعهم الأمير خطار وبعد أن شربوا القهوة سألهم الأمير خطار عن سفرهم فصار يخبرهم ناصر ويقول:
يقول الفتى ناصر عما جرى له
يا قوم أصغوا للحديث اللي جرى

درنا بلاد الغرب والديار كلها
حتى بلاد الفرس وأرض الكوجرا

رحلنا الى مكناس في عشرا رجب
لهم ملك والله سبع غضنفرا

أشقر ظريف القد حلو المباسم
يشبه دياب الخيل يا أهل الورى

ما شفت مثله بالكرم يا أهل الكرم
يجري عطاه مثل فيض الأبحرا

له صيوان وميتين أميرا حوله
وألفين عبدا واقفة لتؤمرا

وميتين مملوكة أمامه تخدمه
مثل الكواكب حسنهم ما أبهرا

يقضي ويمضي والأنام تطيعه
مين الذي خالف كلامه يقهرا

دخلنا عنده بالمسا وقت العشا
وأنا بصفة شاعر أحوالي منكرا

وبعد أ، أكلنا الزاد وشربنا الشراب
عدلت أنا ربابتي يا أهل الورى

وأخبرته عن قصتي وعن سفرتي
وعن حالنا يا قوم واللي جرى

وثب الينا وقال أهلا ومرحبا
أنتم أعمامي أولاد عمي الأنصرا

وقال لي روحوا لأهلي وبشروا
الى عمومنا وأخوالنا والأصهرا

لازم أجيهم فوق الشهبا مبرشمة
تشبه الى ريح الشمال اذا جرى

وأقتل عدوي وأشتفي من قتله
وأفني أكابرهم كذال الأصغرا

أنا نصر الدين ما في غبا
أدعي الفوارس بالحروب مقهقرا

أوهب لنا هذه الأموال جميعها
تعجز ملوك الأرض عنها وتقصرا

يا آل زغبي أبشروا في سعدكم
قد غاب نجم النحس عنكم وأندرا

شدوا حزام خيولكم يا قومنا
جانا الفرج من عند رب مقدرا


فلما فرغ ناصر من كلامه والزغابة تسمع نظامه، طاروا من شدة الفرح وشكروا ناصر، ودارت الأفراح وأخذوا يهيؤن حالهم، وفي اليوم المعين خرج الأمراء الى خارج البلد، وطلعوا الى تل ونظروا الى البر، فرأوا غبارا فصبروا حتى انجلى على فارس راكب، شقرا كأنها البرق، ووصل اليهم فقالوا له: من أين قادم؟؟ قال: من عند سيدي الأمير نصر الدين، وسبب قدومي لأبشر بني زغبي بتشريفه في هذا النهار، فعند ذلك أعطوا الخبر لجميع بني زغبي، فخرجوا في تسعين ألف فارس في الحديد غواطس، ومعهم الراية البيضاء التي كان ينشرها دياب، فخرجت مشيخة الشباب بستين ألف فارس، وما بقي في تونس الا بني دريد وبني زحلان، وجملتهم مائة وثمانون ألف فارس، وأما جملة الذين خرجوا للملتقى، فمائتان وأربعون ألف فارس، فنزلوا هناك الا والغبار ثار، ثم انجلى عن بيارق مغربية وخيول شامية وفرسان مكناسية ورماح خطية وسيوف عجمية وذروع داودية وخوذ سليمانية وطوارق هندية، وفي أولها فارس طويل القامة، عريض الأكتاف، أشقر اللون أزرق العينين، وعلى رأسه خوذة من عمل الهند وعلى كتفيه رمح طويل مكعب، وعلى يساره سيف ثقيل وتحته شهبا كأنها بنت الخضرا الأصيلة، واذا هو البطل الرئبال الملك نصر الدين ابن الملك دياب الذي خضعت له صناديد الرجال، وعلى يمينه عمه الملك صالح وعلى شماله ابن الأمير صالح الأمير الحازم والليث الجازم، ومن ورائه عشرون راية وتحت كل راية خمسة آلف فارس، فلما وصلوا نزل نصر الدين على علين برشان، وأخذ يسلم على كافة الفرسان، وبعدها أمر بنصب الخيام، فنصبوا له والى عمه صيوانا من الحرير الأخضر على خمسمائة عمود من النحاس الأصفر، في أعلاه تفاحة من الذهب الأحمر وفي داخل الصيوان نقوش من تواريخ الأولين، وعليه صور ملوك سالفين، فجلس نصر الدين على كرسي من الذهب وجلس عمه عن يمينه وابن عمه عن شماله، وقعدوا أمامه والخدام بين يديه , هذا ما كان من هؤلاء، وأما ما كان من بريقع بن حسن فانه اجتمع مع وزيره شيبان وقال هل أرى اليوم بني زغبة خرجت خارج البلد في ضجة عظيمة، فما يكون في ذلك؟؟ فقال ليس لي علم بشئ، وهم في الحديث دخل عليهم عيد وقال: اعلم يا ملك الزمان أن فرسانا أتوا من بلاد الغرب، يتقدمهم فارس عظيم، وخرجت بنو زغبة لإستقباله واجتمعوا على عين برشان وسلموا عليه سلام الاخوان، فلما سمع بريقع ذلك الكلام، قال لشيبان من يكشف لنا خبرهم؟؟ فأرسلوا جاسوسا، فسار ودخل بين زغبة وعرف الأمر وعاد، فأخبر بريقع، فعند ذلك صاح بقومه عليهم، أياها الأبطال ثم أمر بدق الطبول ونادى على الفرسان تعتلي فوق الخيل والتمت الفرسان وركب الشجعان، وأما بريقع لبس درع أبيه وتقلد بالسلاح وركب بنت الحيصا وشيبان، عمل مثله وخرجوا من تونس في مئة وثمانين ألف فارس، ولما قربوا الى عين برشان، ركبت الفرسان الخيول ووقعت العين على العين، واصطف العسكران وبرز شيبان ين أبي زيد الى الميدان، فنزل اليه الأمير الجازم وصدمه صدمة جبار فتلقاه شيبان فتلاطما وتزاحما حتى طلع من الاثنين ضربتان قاطعتان فكان السابق في الضربة الأمير جازم، فطعنه بين البزين، طلع الرمح من بين اللوحي، فوقع الى الأرض يتخبط ببعضه، فلما رأى بريقع أن شيبان قتيل، نزل الى الميدان وطلب مبارزة الأبطال، قال لا أريد أن ينزل لحربي غير أميركم، فما أتم كلامه حتى صار نصر الدين أمامه، فالتقيا كما تلتقي الأرض العطشانة وابل المطر والأمير نصر الدين يفتل حول بريقع في الشهبا مثل حجر الطاحون، وأما بريقع وجد حاله مع خصمه مغلوبا فسار يغتنم فرصة ليفر من أمامه ولكن نصر الدين لم يمكنه من ذلك بل هجم عليه وقال: الى أين يا كلب العرب وأنا وراءك في الطلب؟‍‍؟

وجذب سيفه الظامئ وقال الله أكبر ‍؛ ونزل به عل بريقع قسمه هو والجواد أربع قطع، وأشار بيده فانطبقوا على بني زحلان، فما كنت ترى الا رؤوسا طائرة ودماء فائرة وفرسانا غائرة، فما سلم في تلك الواقعة سوى أربعة واحد من قوم زحلان، فعندها دخل نصر الدين الى تونس وطلع الى قصر أبيه وتسلطن على كل الغرب، وصفت له الأحكام وطاعته كل الأنام، وما زالوا في بسط وانشراح مرتاحين من الحروب حتى أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات.

******تمت بحمد الله



Ayman silem
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع السيرة الهلالية والتراث العربى الاصيل .

جديد قسم : الموروث الشعبي والتراث الغنائي

إرسال تعليق